17 - 07 - 2024

حواديت يكتبها: طاهـر البهـي | سر شهرة مفيد فوزي!

حواديت يكتبها: طاهـر البهـي | سر شهرة مفيد فوزي!

لن ننكر الإسم الذي صنعه مفيد فوزي بين محرري الفن في الصحافة المصرية على مدار عقود وصداقته لأجيال من الفنانين ومناغشاته لهم؛ أتأمل تلك الحقبة الطويلة، وحسنا فعلت إبنته حنان في إحياء ذكراه ديسمبر الماضي بحضور كوكبة من أهل السياسة والإعلام والفن، كان من بينهم: الدكتور مصطفى الفقي، الكاتب كرم جبر رئيس المجلس الاعلى للاعلام والفنانة نبيلة عبيد، وأنا أتذكره دائما اتساءل: لماذا وكيف نجح مفيد - الأستاذ – علي مدار 70 عاما ـ توفي عن عمر يناهز التسعين ـ رغم تقلبات الزمن وتتابع أجيال النجوم عليه وهو الذي عرف بالقرب الشديد من نجوم عصره وأوانه وفي صدارة المشهد: العندليب عبد الحليم حافظ الذي كان محصنا بسياج من كبار الصحفيين والأدباء ـ لم أجد كلمة تعبر عن سره وتلخصه أفضل من جملة «إيقاع مفيد فوزي»؛ نعم فهذا هو السر وراء نجاح هذا الرجل. 

مفيد كان "يلهث" أمام الزمن وليس خلفه، كان دائم السعي والحراك كان أشد ما يستفزه الشخص الخامل قليل الحركة، في كل اجتماع محدد من يحضره، كانت كلماته سريعة حادة ملحنة، يضغط علي حروفها بطريقته المعروفة للجميع حتي تصل رسالته بوضوح، في ذلك المساء، كل نجوم مجلة صباح الخير حاضرين بناء علي دعوة هاتفية من سكرتيرته المهذبة، كان يتصل ببعض المحررين بنفسه، كان هناك المزيد في صباح أحد الأيام إتصل بمنزل أسرتي متسائلاً في لغة أمر: «فين طاهر؟» وكان الرد أنني في مدينة الاسماعيلية، لم يتوقف بحثه فعاد وسأل: هل فيه تليفون «قبل الموبايل» أكلمه عليه، فاخبرته الأسرة عن اسم الفندق، وكانت المفاجأة أن تلقيت منه اتصالاً علي استقبال الفندق من غير سلامات ولا تحيات، قال «بتعمل ايه عندك؟» ـ لا تزال لغة الأمر تغلف حروفه ـ قلت: بتفسح! قال متجاهلاً الرد: هل علمت أن إحسان عبدالقدوس مات قلت: نعم علمت من صحف الصباح، قال خد عربيتك واسأل عن بيت إحسان واقعد مع أهله مطولا ليوم وأكتب صورة بالقلم عن إحسان الإنسان واحدف الموضوع من تحت «عقب» مكتبي قبل السابعة صباحاً.

ونشر الموضوع كموضوع أول في عدد خاص عن الأستاذ إحسان.

ليس هذا فقط هو مايبرر وصفي «إيقاع مفيد فوزي».

فمرة ثانية يكرر الاتصال قائلاً: في عجلة من أمره وكنا مساء في منزلي: «شفت ماتش الأهلى» قلت: نعم، قال: علاء ميهوب أحرز هدفاً

قلت: نعم..ما شاء الله. .قال مش ده المهم، ميهوب بكي لأنه أحرز الهدف في ناديه السابق الأهلى إتصرف وهات لي حوار معاه بكره الصبح!!

ولم أخذل الأستاذ، أجريت اتصالات كثيرة بنجوم كرة أصدقاء، إلي أن علمت أن ميهوب تخلف عن ركوب باص ناديه السكندري ليتناول العشاء مع أصدقائه ثم يسافر صباح اليوم التالي، وأكدوا لي موعد حجز الحافلة العامة صباحاً لأكون أحد ركابها في المقعد المجاور لعلاء، أجريت معه حواراً إنسانياً نادراً، وهو مايحبه مفيد فوزي، عن دموعه عقب هدفه في النادي الأهلي.

اتصال آخر عقب أحداث شغب من جمهور أحد أندية الأقاليم ليرسلني أحقق من هناك، وبرضه الموضوع يكون عندي بكره الصبح وبنفس الطريقة تحت عقب الباب!!

موقف أخر، كنت في بيته بحي المهندسين ندردش بعد انتقالي إلى دار الهلال، دعاني علي فنجان شاي وفجأة دق هاتفه المحمول ودون أن يرحب بالمتصل، فاجأه بهذا الإيقاع . شارع مكة – أمام نادي الصيد - المهندسين – ياللا تعالي..

ويبدو أن الرجل علي الطرف الأخر من الحوار لم يعجبه إيقاع مفيد، فسمعت رد الأستاذ: إنت زعلت.. طيب تعالى نتخيل الحوار بشكل آخر: "أنت في الطريق.. اتحركت من إسكندرية .. جاي صحراوي واللا زراعي ..الطريق فاضي .. أكلت حاجة .. طيب: شارع مكة المهندسين" وكان بالطبع يعبر عن طريقته في اختصار المناقشات وهو أسلوب برع فيه بالكتابة في زاويته «سماعي»، أما الغريب فهو أن المتصل كان قادما إليه بسيارة جديدة من جمرك الإسكندرية ولم يسأله حتي عن حالة السيارة!

ولا أنسى له عندما وقع لي حادث سيارة مؤلم مع أتوبيس نقل عام؛ مما استلزم نقلي إلى المستشفى، اتصل فجرا بإدارة المستشفى وأوصى بي خيرا، وطلب مني مواسيا كتابة عمود لا يتعدى المائتي كلمة؛ فكتبت 2000 كلمة لأنه كان لدي ما أود أن أقوله، وبعد قراءته طلب من معاونيه الأستاذان: رشاد كامل وفوزي الهواري المدير الفني والذي أخبرني بالواقعة، عدم حذف كلمة واحدة من المقال الذي جاء على 4 صقحات كاملة متجاوزا تعليماته السابقة، وقد قال لي بعد النشر أنه وقع له حادث مشابه في شبابه ورفض الأستاذ أحمد بهاء الدين نشر مقال له لأنه يدخل في سياق "الرأي"، وهو ما جعلني ممتنا للأستاذ مفيد، ومهتما بأن أعرف عن شخصه المزيد؛ حيث قالت لي الفنانة الكبيرة نادية لطفي أن مفيد شاطر من يومه وأنه كان يعرض مساعدتها في استعداداتها للحفلات التي كانت تقيمها في منزلها في مقابل أن يحصل على مجموعة من الأخبار ينشرها بتوقيع "مخبر صحفي"، وأخبرني الأستاذ محمد تبارك مؤسس وأول رئيس تحرير لصحيفة "أخبار النجوم"، أن مفيد لم يكن يستمتع برحلاته الخارجية، بل كان في حالة سعي دائم للتعرف على مصادر؛ في حين قالت لي الدكتورة نعمات أحمد فؤاد أنه أطلق إسم ابنته "حنان" على إسم ابنتها، لكي يتقرب منها ويحظى بأخبار كوكب الشرق أم كلثوم عن طريقها، أما الحلاق الخاص للعندليب عبد الحليم حافظ ، فقد ذكر لي أنه أثناء تردده على سهرات العندليب كان مفيد هو واحد من البيت لا يفارقه..

الأن علمنا سر مفيد فوزي أن اليوم عنده الذي يبدأه في السادسة صباحاً ليس علي استعداد لأن يضيع منه ثانية واحدة، لذلك كان غزير الإبداع صافي الذهن من الحشو والتفاهات، متفرغا للإنتاج الصحفي والمرئى..

رحم الله مفيد فوزي فقد عاش عمره في كد وشقاء..
--------------------------------
بقلم: طاهر البهي